العائدون من الموت في التاريخ الإسلامي: قصص تهزّ القلوب وتؤكد عظمة البعث
المقدمة
منذ أن خلق الله الإنسان وهو يتساءل: ماذا بعد الموت؟ هل يعود أحد ليروي لنا ما رآه؟
وفي التراث الإسلامي، وردت قصص حقيقية وأخرى نقلها المفسرون والمحدثون عن رجال ونساء عادوا إلى الحياة بعد الموت، لتكون شهادتهم عبرةً لكل من نسي أن الله على كل شيء قدير.
هذه القصص ليست أساطير، بل شواهد على وعد الله بالبعث والحساب، وردت في القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي الصحيح.
1. قصة القوم الذين أماتهم الله ثم أحياهم (قصة الطاعون)
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ"
(سورة البقرة: 243)ذكر المفسرون أن هؤلاء كانوا من بني إسرائيل، فرّوا من قريتهم خوفًا من الطاعون.
خرجوا من ديارهم جماعات، قيل إنهم بلغوا آلافًا مؤلفة، هاربين من قضاء الله.
فلما نزلوا وادياً قال الله تعالى لملكٍ من ملائكته: “نادهم أن موتوا”، فماتوا جميعًا في لحظةٍ واحدة.
مرّت سنوات طويلة، حتى جاء نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يُدعى حز قيل، فدعا ربه أن يحييهم ليكونوا آيةً لقومه .فأمره الله أن يدعوهم باسمهم، فبدأ ينادي: “يا بني فلان، يا قوم الله، قوموا بإذن الله”.
فتحرّكت العظام، ثم تجمعت، ثم كُسيت لحمًا، ثم دبت فيها الحياة، فقاموا ينظرون ويتعجبون مما حدث لهم.
فلما أُحيوا قالوا:“سبحانك ربنا، لا نعود بعد هذا أبدًا إلى معصيتك.”ثم عاشوا مدّةً، حتى ماتوا موتهم الطبيعي، وأصبحوا عبرةً لكل من بعدهم لقد أراد الله بهذه القصة أن يبيّن أن الهروب من القدر لا يمنع القدر، وأن الذي يميت قادر على الإحياء متى شاء.
2. قصة عزير عليه السلام الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه
قال تعالى:"أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ..."(البقرة: 259)كان عُزير من علماء بني إسرائيل بعد زمن موسى عليه السلام.
مرّ ذات يومٍ على قريةٍ مهدّمة تُسمّى بيت المقدس بعد أن خربها بختنصر، فنظر إلى الجدران المنهارة والقبور المفتوحة وقال متأملاً:“أنّى يحيي الله هذه بعد موتها؟”لم يكن شكًّا في قدرة الله، بل تعجّبًا من كيفية الإحياء.
فأراد الله أن يُريه الجواب عمليًا، فأماته الله مئة عام كاملة.مرّت السنوات، وتغيّر الزمان، وذابت مملكته، ومات من حوله.ثم بعثه الله، فناداه الملك:“كم لبثت؟”فقال: “لبثت يومًا أو بعض يوم.”قال: “بل لبثت مئة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه، وانظر إلى حمارك.”فنظر عزير، فوجد طعامه كما تركه لم يتغير، بينما حمارُه لم يبقَ منه إلا عظام!
فأمره الله أن ينظر كيف يحيي الله العظام، فاجتمعت العظام أمام عينيه، ثم كُسيت لحمًا، ثم دبت فيها الحياة.
عندها قال عزير وقد غمره الإيمان:"أعلم أن الله على كل شيء قدير."
ثم عاد إلى قومه بعد قرنٍ من الزمان، فلم يعرفوه أول الأمر، حتى دلّهم على أمورٍ لا يعلمها إلا عزير، فآمنوا أنه هو حقًا، وكان ذلك أعظم دليلٍ على البعث.
3. قصة القتيل الذي أحياه الله ليكشف قاتله
قال تعالى:"فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"
(البقرة: 73)في زمن موسى عليه السلام، وقع خلافٌ بين بني إسرائيل بسبب رجلٍ ثريٍّ قُتل سرًّا.
تشاجروا وقالوا لموسى: “ادعُ لنا ربك ليُبين لنا من القاتل.”فأمرهم الله أن يذبحوا بقرةً بصفاتٍ محددة (هي البقرة المشهورة في سورة البقرة).فلما ذبحوها، أمرهم الله أن يضربوا القتيل بجزءٍ منها، فلما فعلوا، أحياه الله لحظةً واحدة، فقام ونطق قائلاً:“قتلني ابن أخي.”ثم سقط ميتًا مرة أخرى.كان ذلك الحدث آيةً عظيمة أمام أعين الناس، وعلموا أن الله يحيي الموتى كما يبعثهم يوم القيامة، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
4. معجزات عيسى عليه السلام في إحياء الموتى
قال الله تعالى على لسان عيسى بن مريم وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ"(آل عمران: 49)
من أعظم معجزات نبيّ الله عيسى عليه السلام أنه كان يحيي الموتى بإذن الله، فيراهم الناس بأعينهم يقومون من قبورهم.
رُوي أنه أحيا ابن الأرملة الذي مات فصاحت به أمه، فدعا الله، فعاد الفتى إلى الحياة وقال:
“يا أماه، اصبري واحتسبي، فالموت حق.”كما أحيا شابًا في جنازته كان يُحمل ليدفن، فناداه عيسى عليه السلام باسم الله، فقام وجلس وتكلم، فعجب الناس من عظمة الله. وأحيا سام بن نوح – كما جاء في بعض الروايات – ليُسأله عن الطوفان، فلما قام سام ارتجف وقال منذ ألف سنة لم يُصبني ما أصابني من هول هذا القيام!”كل هذه المعجزات كانت بإذن الله، ليثبت أن القدرة المطلقة ليست للنبي، بل لله وحده.
5. قصة الرجل الذي عاد من قبره في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ورد في بعض روايات السلف أنه في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرج الناس لدفن رجلٍ ظنوه مات.
فلما أُهال عليه التراب، سمع الحارس صوتًا خافتًا يأتي من القبر. فأسرعوا يفتحونه، فإذا بالرجل قد جلس حيًّا قال لهم والدموع في عينيه أعيدوني إلى بيتي، لقد رأيت ما لا أطيق وصفه.”فلما عاد إلى بيته، ظل يبكي ليل نهار، يصلي ولا ينام، ويقول يا قوم، عُدّوا أنفسكم من أهل القبور قبل أن تعودوا إليها وبعد أيام قليلة، مات الرجل ثانيةً، ولكن هذه المرة بطمأنينةٍ وسكونٍ عجيب.
ترك قصته موعظةً للأجيال، بأن الله قد يُري بعض عباده طرفًا من الآخرة رحمةً أو تذكرةً.
الخاتمة
إن قصص العائدين من الموت في التاريخ الإسلامي ليست حكايات خرافية، بل آيات ربانية شاهدة على قدرة الله.
أعاد الله أرواحهم لزمنٍ قصير ليكونوا برهانًا على البعث والنشور، وتذكرةً بأن الموت ليس نهاية الرحلة، بل بدايتها.
"اللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ."
